إفشاء السلام
ذات يوم كنت أسير أنا وأخي وليد نحو المنزل بعد قضاء يوم دراسي شاق، وإذا بأخي يستوقفني فجأة، ويشير بيده إلى شاب يمشي على قارعة الطريق قائلا: هذا صديقي مسعود.. تعال يا محمود وسلم عليه.. فقلت له متعجباً: ولكنني لا أعرفه.. فصاح ساخراً:
يا سلام.. يا للمشكلة.. إن لم تكن تعرفه فتعرف إليه!!! تسمرت مكاني ولم أنطق ببنت شفه، وذهب هو بعد أن فشل في إقناعي، وسلم عليه، وتجاذبا أطراف الحديث هنيهة ثم عاد.. لكنه طفق يعاتبني طول الطريق حتى احمرت أوداجه، وانتفخت عروقه.. دخلنا المنزل وألقينا السلام.. استقبلنا أبي قائلاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لكن يبدو أنه قد سمع همهماتنا من خلف الباب فقال: ما الخطب؟! .. صوتكما مرتفع!!
فأخبره وليد الخبر، فجعل أبي يتنهد وينظر نحوي بأسف.. فعاجلته بتهدج: أنا لا أعرفه يا أبي.. ثم.. ثم.. ثم أنه صديق وليد.. و .. و.. ماذا في ذلك؟!!
فقال أبي بوقار وسكينة: علمنا الإسلام يا محمود أن نلقي السلام على من عرفنا ومن لم نعرف.. يروي أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ فقال عليه الصلاة والسلام: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف، ولنا في السلف الصالح قدوة وأسوة فقد كان الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يذهب إلى السوق ولا يشتري منه شيئاً فلما سئل عن ذلك قال: إنما نغدو من أجل السلام.. نسلم على من لقيناه.
عندها فقط علمت أنني مخطئ فقلت والعرق يتصبب من جبيني:
أنا مذنب .. فما العمل؟!
تهلل وجه أبي بابتسامة صافية وقال: تسلم على مسعود إذا لقيته غداً، ونسلم على كل من عرفت ومن لم تعرف: لأن السلام ينشر المحبة ويقوي أواصر الألفة، ويغفر الذنوب والخطايا.. ألم تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
ما من مسلمين يتلقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا
غمزني وليد بغبطة فقلت لأبي: شكراً يا أبتِ.. سألزم نصيحتك ما حييت..